من الغبار إلى الجفاف: مناظرة برنامج قريب حول تغيّر المناخ في بغداد

من الغبار إلى الجفاف: مناظرة برنامج قريب حول تغيّر المناخ في بغداد

بغداد، العراق – الهواء في بغداد يثقل بالغبار والحرارة، ومعهما شعور متزايد بالخوف. فالنهران التوأمان، دجلة والفرات، اللذان غذّيا حضارات عظيمة في الماضي، يتناقصان اليوم، والعراق يواجه لحظة وجودية حاسمة.

هذه اللحظة كانت محور النقاش في 30 آب/أغسطس في المعهد الفرنسي ببغداد، حيث اجتمع أكثر من مئة شخص من خبراء ومسؤولين ومواطنين في حوار صريح حول مستقبل العراق البيئي. وقد نظّم هذه الجلسة برنامج قريب الإقليمي التابع لـ CFI بالشراكة مع يلا ميديا، وسلّطت الضوء على كيف أن ندرة المياه، والحرارة الشديدة، والتلوث، تعيد تشكيل تفاصيل الحياة اليومية.

أدار الجلسة الصحفي محمد الباسم، وشارك فيها كل من الدكتورة نجلاء الوايلي (وزارة البيئة)، الدكتورة رنا صادق (الإرشاد الزراعي)، عمر عبد اللطيف (المرصد الأخضر العراقي)، والدكتور علي جواد المصعفي (جمعية جيلجاموس للآثار والأهوار). شهاداتهم كشفت عن أمة ينفد وقتها.

المياه على حافة الانهيار

حذّرت الدكتورة الوايلي، بخبرتها الممتدة 35 عاماً في الوزارة، من أن العراق يعاني من “عقود من الإهمال”، ووصفت موجات الحر التي تتجاوز 50 درجة مئوية لأكثر من شهر بأنها “مؤشر خطير للغاية”. وأضافت أن 39 محطة مياه في جنوب العراق خرجت بالفعل عن الخدمة.

أما الدكتور المصعفي فقال بصراحة: “البيئة العراقية على حافة الانهيار. لا توجد حلول للحفاظ عليها”. وأشار إلى التدهور الكبير في هور الحويزة، الذي كان يوماً موقعاً للتراث العالمي لليونسكو.

وأضاف عمر عبد اللطيف بُعداً أكثر إلحاحاً عندما ذكّر الحضور بأن الإطلاق المؤقت للمياه من تركيا سينتهي في اليوم التالي: “لا منظّمات، لا سدود فيها مياه. أريد أن أرى كيف سنتعامل مع الأمر”.

أزمة حوكمة

ما وراء الانهيار البيئي يكمن تحدٍ أوسع يتعلق بالحوكمة والتعاون الإقليمي. فقد أقرت الدكتورة الوايلي بأن الوزارة تعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، بينما أشار الدكتور المصعفي إلى محدودية نفوذ العراق في المفاوضات المائية مع دول الجوار. وأكد المشاركون أن الإصلاحات المؤسسية جارية، لكن التنفيذ يحتاج إلى تسارع لمجاراة الأزمة.

مداخلات الجمهور عكست القلق والإصرار معاً. فقد حذّر البعض من مخاطر توترات اجتماعية في حال تفاقمت ندرة المياه، فيما شدّد آخرون على أهمية التخطيط طويل الأمد، مؤكدين أن السنوات القادمة ستكون حاسمة لمستقبل العراق البيئي.

البحث عن حلول

برزت عدة أفكار خلال النقاش – من أنظمة الري الحديثة إلى مزارع الأسماك المغلقة وحملات التشجير. ورغم أن المتحدثين أقرّوا بأنها خطوات تدريجية، فقد شددوا على أهمية التنسيق والاستثمار المستدام. ودعت الدكتورة سعاد جاسم رضا، أستاذة إدارة البيئة، إلى إنشاء هيئة وطنية لإدارة مخاطر الكوارث وإتاحة مساحة أكبر للباحثين والأكاديميين للمساهمة في صياغة السياسات.

خاتمة بنّاءة

اختتم النقاش على نغمة بنّاءة: فالأزمة المناخية في العراق، رغم خطورتها، يمكن أن تصبح محرّكاً للإصلاح والابتكار والحوار الإقليمي. ومن خلال مثل هذه الحوارات، يسعى برنامج قريب إلى تعزيز النقاش الذي يجمع المواطنين والخبراء وصانعي القرار حول أهم التحديات التي تواجه العراق. وقد أظهرت حيوية هذا النقاش بصيص أمل – مؤكدة أن مواطنين واعين وإعلاميين فاعلين هما أساس إبقاء هذه القضايا في صميم النقاش العام والمساهمة في رسم حلول للمستقبل.


برنامج قريب يُنفّذ من قبل الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام (CFIMEDIAS) وبتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).


برنامج قريب يُنفّذ من قبل الوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام (CFIMEDIAS) وبتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).