كلمتين عجنب… “يوم اللي صار في بوووم”

نموذج من أدب الأطفال اللبناني، بعد صدمة انفجار المرفأ: كتيّب “يوم اللي صار في بوووم”، للقراءة والتحليل بالعامية

ما في شكّ إنه 4 آب شكّل يوم مفصلي بتاريخنا الجديد. بعده، بطّلت نفسياتنا، شوارعنا ولا أشكال علاقتنا بتشبه يلّي تعوّدنا عليها. ومتلما برّا تكسّر، في شي جوّاتنا تكسّر كمان، كأفراد منتواصل مع حالنا بالأوّل ومع التانيين بعدين.

التفجير المش مسبوق بسرعته القاتلة والتدميريّة، ضرب بلد واصل من سنة لأعلى درجات الهشاشة على مستوى مؤسسات وشبكات أمان السكّان، خصوصاً الوزارات والمستشفيات والمدارس الابتدائية الرسميّة. هيدا مع جائحة فتحت فِكر العالم على أسئلة ما كنت بتخطر عالبال حول الوجود الإنساني والطبيعة.

متلما برّا تكسّر، في شي جوّاتنا تكسّر كمان، كأفراد منتواصل مع حالنا بالأوّل ومع التانيين بعدين

من مسا هيداك اليوم، وبلمح البصر، ألوف انجرحوا أو خسروا أطرافن وراحت بيوتن أو محلاتن، ميّات فارقوا الحياة وعشرات انفقدوا بدون أيّ تفسير من الدولة، لا لأهلن ولا لإلنا.

كلنا انصدمنا! ومع إنه التعافي مش مستحيل (وبيتحقق جزء منّه لمّا يتحاسب الفاعلين)، بس الوصول إله مش سهل، ما بصير بنفس الطريقة عند الكل وأكيد الأطفال بحاجة لرعاية مدروسة ومستدامة (وأكتر بعد الأطفال المعوّقين).

بلغت أعداد المصابين الصغار 100 ألف تقريباً (حسب اليونيسيف)، بينن حديثي ولادة تشظّوا بعنابر المستشفيات لمّا طار القزاز. شهدنا ولادة واحدة على الأقل باللحظة الصعبة ووفاة بنت لبنانية وصبي أجنبي. وفيه ولاد كانوا وحدن ببيوتن أو مع العاملات المنزليات، يمكن لأن الانفجار صار بوقت رجعة الموّظفين من دواماتن.

ومع تخلّي الدولة عن شعبها وأطفاله (حوالي 500 ألف صغير/ة ببيروت عم بكافحوا ضدّ الجوع، كمان حسب اليونيسيف)، ومسؤوليتها عن الجريمة من ناحية إهمالها أطنان النترات عالپور من سنين، تحرّكت جمعيات وأفراد بيشتغلوا بالتربية والتعليم والصحّة النفسيّة ليقدموا خبراتن ومعرفتن لليافعين.

ومن العوارض يلّي لاحظوها علين: العزلة، قلّة الأكل والحكي والنوم، الكوابيس، الشعور بالحزن والبكا الدايم، الخوف من الوِحدة حتى بالحمّام، النقزات، تخمين أيّ صوت عالي إنّه إنفجار، التبوّل اللاإرادي… وشويّ من أصحاب الخيال الواسع حسّوا بالذنب لمّا فكروا إنه الشي يلّي كانوا عم يعملوه، كان السبب.

هيك، وعلى صعيد أدب الأطفال، إجا مُلفت الكتيّب الأخير (15×20 /24 ص.) لدار هاشيت – أنطوان: “يوم اللي صار في بوووم”، نَص أسمهان وهلا صالح (الأولى معالجة سلوك ومعلمة روضات) ورسوم طاهر بعيني. وهوّي بعمم أجوبة لأسئلة انطرحت على الكاتبتين، قبلما تقطع التروما فترتها الطبيعية (3 أشهر) وتصير مزمنة، يعني بتطلب كشف وعلاج أخصائيين مباشر.

بين الشكل والمضمون، بيحمل الإصدار كذا نقطة إيجابيّة، منها:

1. كل أرباح المبيعات بتروح للمتضررين.

2. النص مترجم من الفرنسي والانكليزي للمحكيّة، وهيدا منيح لسببين:

أولاً، لأن بخاطب الولاد بلغتن المسموعة كل يوم، وهيك بتلغي العاميّة الحواجز وبتخلّي النَص مُتاح للكل. وهالشي أساسي بهالمرحلة، لأن التواصل الإنساني هلأ أهم من تعليم القواعد.

وتانياً، لأن بأسس للنوع، بلا ما ينافس الفصحى، بس بوازيها وبعاصرها.

3. بتدمج الخلفية البصريّة للمادة المكتوبة بين الصور الفوتوغرافية والرسوم البسيطة، الشي يلّي ببيّن واقعية القصّة وبيسمح للقارئ الصغير يحتفظ بأرشيفه للمَشاهد، عبر وسيلة بتحاكي عمره.

4. ما استعمل الرسّام صور أشخاص حقيقيين منصابين أو متوفين، وهالشي بيحمي القرّاء الصغار من العنف المعنوي يلّي مارسه الإعلام طول الفترة عالكل، بدون حساب. كمان، بمرر فكرة أهميّة احترام خصوصيّة الناس لمّا ببطلوا مسيطرين عويعن و/أو أجسامن.

5. شملت الرسوم أشخاص ملوّنين، على كرسي مدوّلب، ناصحين وعاملات منزليات تطوّعوا بتكنيس الركام… الشي يلّي بعده خجول بأدب الأطفال العربي، لأن بفضل أغلب الأحيان يظهّر أبطاله بمقاييس “مثالية” وبهمّش أدوار المُساعدات الأجنبيات بالسياقات المُخترعة، عكس الواقع. تضمنت الرسوم كمان تحية للـ “الممرضة” و “الإطفائي”، متلما شفنا بكتير مطارح.

6. انذكر بالنص وشفنا بالرسوم العصافير (الحمام) والبسينات، وهي حيوانات بيروت والأليفة بامتياز، بالبيوت وعالطرقات، ومهم ننقل ونحفظ ردات فعلها خلال المصيبة، لأنها جزء من بيئئتنا، بتزعل وبتمبسط معنا.

بس كمان، بسمح لحالي قول كواحدة من سكّان المدينة، أم، كاتبة وقارئة قصص للأطفال، إنه الكتيّب إجا أقل من التوقعات يلّي أوحتلي ياها الدعاية، لأن:

1. حسيت العنوان بيستخف بإحساس وتفكير الولاد من ناحية التبسيط. ومع إني مش ضدّ الكلمات الصوتيّة، بس هون بيّن كأن الولاد ما صاروا سامعين عشرات المرّات كلمة “انفجار”: من التلفزيون، الأهل، الجيران والأصحاب.

2. حتى بالنّص، استعملت الكاتبتين كلمة “انفجار” مرّة واحدة بالآخر، متل يلّي عم بجرّب يخبي شي بوقت المصارحة بتوصل للتشافي. ومع العلم إنه تخفيف حدّة الصدمة وتجنب التخويف، ما يعني ما نسمي الإشيا بأسمائها.

3. العنصر المبدل، العقدة والحل بيّنوا كتير سطحيين، مثاليين أو فين وعظ، وهون أمثلة عشوائيّة:

– “شوي، شوي رجعت الحياة لطبيعتها”… ” الناس حملوا مكانس ونزلوا. شو أبطال!: كيف رجعت الحياة عادية للأيتام والمهجرين وكل يلّي تغيّرت حياتن للأسوأ؟ وزيادة، مش مطلوب من الناس يكونوا أبطال، حقن يعملوا عازهن وواجبنا نحترم زعلهن وتعبهن. غير إنه التكنيس بين المباني المصدعة بهدد حياة الأشخاص، من مسؤولية الدولة وأفضل ما نحمّس كتير الولاد عليه.

مش مطلوب من الناس يكونوا أبطال، حقن يعملوا عازهن وواجبنا نحترم زعلهن وتعبهن

– “هلّق مش وقت نوم وكسل، هلق وقت نساعد”: إنه نساعد أو لأ خيار شخصي وحرّ، وفرضه بخليه الولاد المش قادرين يحسّوا حالن مقصرّين، بوقت مطلوب تعزيز ثقتن بنفسن.

في الكتيّب الأخير للأطفال: يوم اللي صار في بوووم، “هلّق مش وقت نوم وكسل، هلق وقت نساعد”، بس إنو نساعد أو لأ خيار شخصي وحرّ، وفرضه بخليه الولاد المش قادرين يحسّوا حالن مقصرّين، بوقت مطلوب تعزيز ثقتن بنفسن

– “مش مهم شو ما كان يكون”… “المهم كلنا بخير”… “وكلّ المشاكل دايماً محلولين”: ما فينا نحكي هيك عن أكبر جريمة بحقّ الآمنين والمسالمين بتاريخنا الحديث، خصوصاً إنه خلقنا وكبرنا ببلد ولا مرّة تحاسبوا فيه مجرمين الحرب ولا الفاسدين. أنانيّة نعتبر إنه الكل بخير لمجرد ما صابنا شي. ومشاكل الحياة مش كلها عطول محلولة أو مش محلولة بسرعة.

بعد 4 آب ومع الأزمة الاقتصادية المحلية والجائحة، صاروا العاملين هون بمختلف ميادين الطفل قدّام واقع تربوي بيتطلب التفتيش عن أدوات ملائمة، تجريبها، مراقبة فعاليتها وتطويرها

4. استعملت الكاتبتين القافية، وهي مش زابطة هون، خاصة إنه النوع هوّي قصّة ومش قصيدة. هالشي كمان خلّا الأسلوب مفتعل من جهة، والمضمون مش كتير جذّاب.

5. صح دور الأسئلة بعد القصة تعرّفنا بشو عم بفكروا ويحسوا الولاد، كرمال نجرّب نساعدن، بس شكلها المطبعي عطا النشاط طابع الفرض المدرسي. وكان أفضل ينحطوا عورقتين مفصولين بياخدن المتابع بسرية، للإبتعاد عن أجواء الصفوف وحتى.

بالآخر، بتستاهل التشجيع أيّ مبادرة فردية أو جماعية بتعكس التآزر الإجتماعي تجاه السكّان عمومًا والسكان الصغار خصوصاً. صح صوّرت الكاميرات كذا حدا منن صرخ “ما بدي موت!” لما عاش الرعب الفظيع، بس في كمان يلّي ما لقطتن الكاميرات، وانطبعت التجربة القاسية بذاكرتن الطريّة.

بعد 4 آب ومع الأزمة الاقتصادية المحلية والجائحة، صاروا العاملين هون بمختلف ميادين الطفل قدّام واقع تربوي بيتطلب التفتيش عن أدوات ملائمة، تجريبها، مراقبة فعاليتها وتطويرها. وبوقت برهنوا الافراد عن النيّة والكفاءة بقيت الدولة عم تتخبط بقرارات بسيطة، متل فتح او تسكير المدارس.