انتخابات من أجل الانتخابات

بدأ التحضير للانتخابات القادمة، رغم الشكوك العديدة التي تحيط بها والخوف المتكرّر من تأجيلها والتساؤلات الجدّية حول جدواها.

فتكاثرت في الآونة الأخيرة الأخبار عن التحضيرات للاستحقاق القادم:

إطلاق حملات انتخابية من هنا أو هناك، غزارة مقالات عن أهواء الناخبين أو حظوظ التحالفات، شائعات عن مفاوضات بين مرشحين وأحزاب، تأكيد متكرّر عن دعم دولي لإجراء الانتخابات، منافسة بين طامحين لموقع في لائحة… وبعيدًا عن الإعلام، لا يتطلّب الأمر الكثير لتوقّع أن الماكينات الانتخابية بدأت بالتحضير للاستحقاق القادم.

لكن رغم الحماسة المتزايدة، هناك شيء ما لا يزال رخوًا أو مش راكب، هناك مكوّن لا يزال مفقودًا من الطبخة، وكأنّ الانتخابات واجب، على الجميع خوضها قبل تحديد معناها.

انتخابات بعناوين عديدة
الانتخابات واجب، وإن كانت معالم المعركة لا تزال غامضة، والتنافس حول معناها لا يزال قائمًا.

فنحن لسنا في صدد معركة تحديد طبيعة الأكثرية القادمة، كما كان الوضع عليه في مرحلة 8/14 آذار. ولسنا أمام بناء تحالف عريض في وجه هيمنة حزب الله، وإن كان هناك من يريد تحويل الاستحقاق القادم إلى معركة كهذه. ورغم أنّ الانتخابات تجري في ظل أكبر انهيار مالي واقتصادي، فهي لم تتمحوَر بعد حول هذه العناوين. وإن كان من المتوقع أن ينتخب المجلس الجديد الرئيس القادم، لم يشكّل هذا التنافس السؤال المركزي.

رغم الآمال الكبيرة المحيطة بها، تبدو الانتخابات وكأنّها ليست عن أي من تلك العناوين، أو بكلام أدّق، عن كل تلك العناوين في الوقت نفسه. هذا التشرذم بالعناوين يعكس التشرذم القادم بالمجلس.

شرط المجلس القادم
رغم تشرذمها، تشترك تلك العناوين بشرط إمكانيتها، أو بكلام مختلف، بفقدانها المشترك لشرط إمكانية تلك العناوين، وهو شرط يقع خارج حدود المجلس وانتخاباته.

لن يفرز المجلس القادم وانتخاباته أكثرية في بلد مقسوم، تتصارع فيه الطوائف على مبدأ ميثاقية المؤسسات. فسؤال الأكثرية يحتاج إلى بلورة عقد سياسي جديد، ما زالت معالمه غامضة. كما أنّ المجلس الجديد، مهما كان معادياً لحزب الله، لن يؤثّر على هيمنة تنظيم مسلّح ذات وجود إقليمي. وخارج أي تصور للخروج من الأزمة الاقتصادية، يبدو أنّ أقصى طموح المعارضة النيابية الجديدة هو خطابات جلسات مناقشات الميزانية، التي لن تؤثر على التفاوض القائم داخل مؤسسات غير ديموقراطية، سواء كانت محلية أم خارجية.

فالمعركة الانتخابية القادمة جزء أو مرحلة في مشروع لم يتّضح بعد. هي معركة حول دور مجلس النوّاب في المرحلة القادمة، وحول كيفية ترجمة إرادة شعبية، مهما كانت، إلى فعل سياسي.

أبعد من العناوين
غموض عناوين المعركة القادمة لا يعني عدم جدوى الانتخابات، أو نقداً للمجموعات المتحمّسة لخوضها. ففقدان مشروع سياسي يستطيع أن يحضن هذا الاستحقاق ويؤمّن له المعنى المفقود، ليس مسؤولية حزب أو مجموعة أو ثورة. هو نتيجة عقود من تفريغ المؤسسات وتقطيع الحقل السياسي، الذي حوّل مجلس النواب إلى مجرّد مبنى في وسط مدينة فارغة، لا تربطه أي علاقة بما يحدث بشوارعها. فالسؤال ليس عن دور المعارضة في المجلس أو التوازنات المتوقعة في داخله. السؤال هو عن دور المجلس النيابي كمؤسسة تربط بين إرادة شعبية وفعالية مؤسّساتية في ظل أكبر انهيار مؤسّساتي تشهده البلاد.

حتى اليوم، ما زلنا نقارب الانتخابات القادمة كاستطلاع رأي موجّه لجمهور متخيّل من صنّاع القرار. وربّما كان هذا اعترافاً بأنّ السياسة هجرت مؤسسات الدولة، وبات علينا اللحاق بها مهما ابتعدت.