يُحاول حزب القوات اللبنانية تقديم الانتخابات على أنها مواجهة مصيرية بين مشروعَيْن، مشروع سيادي تحمله القوّات في مواجهة مشروع حزب الله- عون.
الفقرة «ه» من تفاهم معراب
ينطلق هذا التوصيف للواقع السياسي من اعتبار ذاكرة اللبنانيين ضعيفة جداً.
يُريد رئيس حزب القوات اللبنانية أن يمحو صورته الى جانب ميشال عون في اتفاق معراب لمُجرد أنه قرر الخروج من السفينة بعد غرقها. كما يُريد أن يتجاهل اللبنانيون عشرات التصريحات والمقابلات التلفزيونية التي كان يتفاخر فيها مسؤولو القوات ونوّابها بإيصال عون الى الرئاسة.
من المؤكد أن تمزيق جعجع لاتفاق معراب لم يكن نتيجة سياسة عون التي اختبرتها القوات منذ أواخر الثمانينات. ومن المؤكّد أنّه لم يكن نتيجة الفساد والهدر المُستشري في مفاصل الدولة منذ عشرات السنوات. جاء التخلّي عن اتفاق معراب نتيجة عدم التزام عون وباسيل بالفقرة «ه» من البند الثالث من الاتفاق، ذلك البند الذي يُشير الى توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية مناصفةً بين الطرفين.كان الأجدى بهما استلهام التجربة الرائدة للثنائي الشيعي في هذا المجال.
وبصرف النظر عن فشل التطبيق، فإنّ ذلك لا يُلغي الدقّة التي أراد جعجع إلزام عون بها لناحية التحاصص. وما عبارة «معايير الكفاءة والنزاهة» الّا الغطاء الذي أراد الطرفان حفظ ماء وجههما من خلاله.
غياب الرؤية الاقتصاديّة
يريد جعجع أيضًا أن يتناسى الناس أنّه لم يملك أيّ تصور اقتصادي على مدار مسيرته السياسية.
فهو يخوض هذه الانتخابات بغياب أي رؤية سياسية أو اقتصادية للخروج من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية عالميًا منذ القرن التاسع العشر. ولم يُقدّم حلّه لاستعادة المودعين لأموالهم ولا برنامجه لبناء اقتصاد منتج، بينما يعجز نوّابه عن وضع خطة لتصريف الإنتاج السنوي للتفاح في بشري.
كل ما يُقدمه جعجع هو شعارات ثورية لا تنسجم مع تواجده خلال السنوات الماضية في صلب السلطة التنفيذية، كما أنّها لا تنسجم مع تحالفاته الانتخابية الحالية سواء مع مرشح الرئيس فؤاد السنيورة في زحلة أو مع الحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف عاليه.
غياب استراتيجية لمواجهة حزب الله
لكنّ الأهم هو أنّ جعجع ليس لديه أي تصوّر حول كيفية مواجهة حزب الله.
يُريد جعجع تقديم نفسه على أنه الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة حزب الله، من الاتهامات المتبادلة بينه وبين نصرالله وصولاً لأحداث الطيونة. لكنه لم يُوضح لنا استراتيجيته في مواجهة الحزب، وهو الذي وافق في آخر حكومات سعد الحريري على البيان الوزاري وفق الصيغة التي تُرضي الحزب. أضف إلى ذلك، فإن مواجهته لباسيل على الساحة المسيحية لم تعد مغرية للّبنانيين الغارقين في تأمين حاجاتهم اليومية.
تواضع الطموح السياسي
لقد حاولت القوات خلال الأشهر الماضية أن تُوحي بأن كتلتها الشعبية توسعت على حساب باقي الأطراف المسيحية، في حين أن الدخول في تفاصيل المعارك الانتخابية يُبيّن سعيها للحفاظ على مقاعدها في أفضل الأحوال.
فهي لا تطمح إلى حصد أكثر من نائبَيْن في جبيل – كسروان، ولم يعد مقعد البترون يُغريها، وتُعاني من مشكلة مقعدها في عكار وبعلبك الهرمل في ظل غياب الحليف السنّي.
كل ذلك يُشير، بشكل لا لُبس فيه، إلى أن القوات فشلت في استثمار الثورة كما كانت تطمح دوماً، وهذا ما ستؤكده نتائج الانتخابات النيابية.